أحمد بن خلفان بن عامر البدوي *
الكثير منا يدرك أن قطاعي الخدمات والبيع بالتجزئة يمثلان حراكا تجاريا نشطاً على جميع الأصعدة، من مجموع الأنشطة الاقتصادية الكلية -لا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي- باعتبارها تأتي في مقدمة الاحتياجات والمتطلبات اليومية للفرد والمجتمع؛ حيث تحتل المرتبة الأولى في اكتظاظ بيئة الاستثمار، وقد لا يخلو منها أي مخطط خاصة المخططات التجارية والصناعية النشطة.
فلو أخذنا وضع السلطنة، كنا جازمين بأن ما نسبته (+50%) من حجم تلك الأنشطة تمارس في مخططات مصرح بها فإننا ندرك تماما أن الواقع الميداني المشاهد وجود نسبة كبيرة لأنشطة متكررة يمتلك كياناتها التجارية مستثمرين طبيعيين وآخرين اعتباريين سُجلت منشآتهم بأنها عمانية 100% . وأيضا قد تكون ذات النسبة لمنشآت خاضعة لقانون الاستثمار الأجنبي في الحالتين، إلا أنه يختلف الشكل القانوني أو المسمى التجاري لها فقط، وما يدور من خلال المستقرئ للواقع الاستثماري أن تراخيص هذه الأنشطة بُنيت على مسار كمي مُعلنة التستر التجاري (التجارة المستترة)، كما يدرك المتابع لهذا المشهد أن مثل هذه التراخيص لا يتحمل أصحابها الالتزامات المالية التي ترتبت على تهيئتها وتجهيزها وصولا إلى الدعم اللوجستي أثناء وبعد العمليات التشغيلية، وبلا شك فإنَّ هذا المشهد سينتج عنه انعكاسات غير متوازنة في السوق المحلي، وقد يطال تضارب المصالح؛ وليس ذلك فحسب بين أصحاب المنشآت وإنما قد يلقى بظلاله بين العاملين بها؛ كون هذه المنشآت افتقدت للإدارة المثلى، وهنا نقصد بالتحديد أصحاب السجلات التجارية، أيضا نرى من خلال ذات الاستقراء أنَّ السبب الرئيسي في اقتناء مثل هذه الأنشطة التي مثلت أنشطة الكم أنها تشكلت من أصحاب السجلات التجارية، ليأتِي الدعم المالي لها من قِبل العمالة الوافدة المهنية وغير المهنية التي أصبحت تعمل بشكل متنامٍ بين المخططات مقابل العمولة الشهرية المتفق عليها مع أرباب العمل؛ كون هذه العمالة في الواقع الميداني التجاري نَصَّبوا أنفسهم بأنهم المُشغل الأساسي لمثل هذه الأنشطة؛ باعتبارهم هم من قاموا بدراسة احتياج المخطط (س) وتحديد النشاط الاقتصادي (ص)، كل ذلك جاء بهدف الربح كنظرة أولية. ويذهب الكثير من أصحاب السجلات والعمالة الوافدة من الاستفادة ببيع تراخيص العمل كنظرة بديلة وحتما في الكثير منها قد ينتهى بها الحال إلى الغلق الشكلي مُعلنة التسريح.
وبلا شك أنَّ حجم مثل هذه التراخيص قد لا يعكس المساهمة الحقيقية في أركان التنمية المستدامة في البيئة الاستثمارية على المدى البعيد، لفقدها وافتقارها عمليات التنظيم؛ كون الكثير منها بُني من غير احتياج فعلي؛ مثل: دورة تجارية ربحية قد تزول مع التقادم، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الكثافة السكانية؛ فهي مؤشر للدفع بها، علاوة على ذلك فإنَّ الزيادة في اكتراث تراخيص أنشطة المسار الكمي يُعد من الممارسات والانعكاسات الضارة لدوران راس المال الداخلي؛ حيث يتوزع في اتجاهين؛ أولاً: تقوية النفوذ والغايات التجارية في مخططات أخرى من نفس وذات الشريحة الاستثمارية للتحكم بسوق العمل؛ مما يؤدى لضياع الفرص والخطط الاستشرافية للجهات المعنية الرامية لتمكين ونمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خاصة للمتفرغين من رواد الأعمال. ثانياً: عدم وجود الحلول في معالجة الحوالات المالية الخارجية التي تجنيها العمالة الوافدة من الممارسات غير القانونية والتجارة المستترة، علماً بأنَّ الاتجاه الثاني سيكون الأكثر ضرراً على المسار المالي الداخلي، مع تيقننا التام بأن الكثير من الحوالات المالية بها تكرارا لنفس العامل وقد تكاد في فترات متقاربة في الشهر الواحد والذى بطبيعة الحال يُعتبر شكلا مخالفا لراتب العامل المُعلن عنه في قاعدة بيانات الجهة المعنية.
ويتَّضح لنا جليًّا أن من يُمارس ويستفيد من العمليات التشغيلية من هذه الأنشطة المندرجة تحت قطاعي الخدمات والبيع بالتجزئة مستثمرين قد أَوكلوا تراخيصها لعمالة وافدة مثلوا تراخيص عمل قانونية، إلا أن الكثير من أصحاب السجلات التجارية التي اندرجت تحتها تم التسويف بها لاحقا في متابعتها؛ كونها بُنيت لمسارات غير هادفة، كما أنها لا تخدم معالجة التوظيف الذاتي على أقل تقدير في إدارتها ومتابعتها، وفي المقابل حتماً سينتهى بها الحال نحو إلغاء عقود الإيجار والتراخيص ذات الصلة بالتشغيل مع سريان فترة الإقامة لهذه العمالة، مُشكلة بذلك التجارة المستترة، وخلق فجوة كبيرة ينتهى بها الأمر لإحداث أضرار لها تداعياتها وتأثيراتها على سوق العمل والبيئة الاستثمارية.
وإن كثيرًا من هذه المنشآت استغلت الثغرات القانونية التي لم تؤطر في بعض التشريعات قبل تكاملية البيئة الاستثمارية بين الجهات ذات الصلة ببيئة الأعمال، فإنه بلا شك تم استغلال هذه الثغرات والتي ولدت تأثيرات اقتصادية مسببة عدم وجود توازن استثماري، الذى من المفترض أن يتم العمل به تحت لوائح تنظيمية وإجرائية مرنة تُحدث متى ما دعت الحاجة لسد الفجوة والثغرة، مع شريطة أن تكون هذه اللوائح كحد أقصى ثلاث سنوات من جانب، ومن جانب آخر أن النظرة الاستشرافية في الكثير من الدول تغيَّرت بسبب التكتلات الاقتصادية التي يمرُّ بها المسار الاقتصادي العالمي خاصة بين دول الإقليم والدول الاقتصادية الكبرى؛ الأمر الذى يدفعنا لمراجعة دورية في القرار الاقتصادي والسياسة الاستثمارية على أقل تقدير دوران رأس المال لثبات أركان التنمية المستدامة، ومن بَيْن هذه التأثيرات غياب التوزان الاستثماري الخدمي (النوعي) وبرامج التنويع الاقتصادي بين الحقول الاستثمارية، عدم معالجة الهجرة الاقتصادية للكثير من المنشآت بين المخططات الداخلية التجارية والصناعية والمناطق الاقتصادية الحرة والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم -من وإلى- دون تحقيق الأهداف التنموية، وتقليص دور الجهات المعنية بتنفيذ خطط التعمين المحددة بالضوابط والقوانين لمنشآت القطاع خاصة الوظائف التخصصية، واستدامة ظاهرة التوظيف الشكلي في منشآت القطاع الخاص؛ كون الكثير من الأعمال التي تُمارس حاليا لمنشآت صغيرة ومتوسطة لغير المتفرغين تُقدم توظيفا إرضائيا دون الرجوع لقاعدة بيانات المركز الوطني للتشغيل، التي قد لا تكترث بها الكثير من المنشآت بتوظيف مؤهلات دُنيا وممن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً من خلال منحهم رواتب تفاوضية أقل من المخصصات المعتمدة في النظام التشغيلي، وعدم تمكين ريادة الأعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتفرغين والتضييق عليهم، مع التقليل من النمو والدفع بعملية التوظيف الذاتي الذي أولته حكومة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- باعتباره التوجه الاستشرافي للتنمية الاقتصادية والاستفادة من برامج الدعم التي تقدمها الجهات المعنية، كذلك عدم المساهمة في نقل الثقافة الاستثمارية لمنشآت عمانية أصحابها من غير المتفرغين أو من منشآت الاستثمار الأجنبي المتواضع.
الخلاصة في الأمر أن التكتلات والأزمات الاقتصادية التي تحدث بين دول العالم ودول المنطقة تحت أي ظرف من الظروف في أوقات السلم وغيره، يتَّحتم على واقعنا الاقتصادي إيجاد تطبيقات ومنهجيات مرنة يُعمل بها تلقائيًّا بين الجهات الداعمة والمحركة؛ كونها ركيزة الاقتصاد، وذلك بدءًا من جهات بيئات الاستثمار ووصولا إلى الجهات ذات الصلة بالتراخيص الاقتصادية؛ وذلك من خلال وجود نظام خاص تحت مسمى مؤشر توازن الاستثماري… يتبع.
30/6/2020