تُعد بيوت الخبرة على مختلف مسمياتها ومستوياتها الرسمية والخاصة نافذه يجب فتحها على جميع أركان الدولة للاستفادة من مخزونها ولقد نبعت فكرة إنشاء بيوت الخبرة من التوجهات الحديثة لمعظم دول العالم نحو تعزيز مبدأ الشراكة الاستراتيجية بينها وبين كافة أطياف المجتمع بهدف توظيف إمكاناتها المختلفة وتحويل المعرفة والخبرة المتوفرة لدى مؤسسيها ومنسوبيها لخدمة أركان التنمية المستدامة في كافة قطاعات ، وتعتبر بيوت الخبرة من الأدوات الحديثة التي تنظر إليها المؤسسات الحكومية والخاصة في تطوير في بيئة الأعمال من خلال استثمار ذوي الاختصاص التي ساهمت في توفير البيئة المناسبة من خلال تكليفها بالعمل منذ بداية النهضة المباركة في التخصصات الإدارية والفنية والقانونية والتنظيمية وغيرها بأنها قادرة على العطاء عبر كياناتها الحالية التي آمنت بها المساهمة مسيرة النهضة المتجددة.
ان بيت الخبرة هو كيان متخصص قد يُؤسس من عضو أو مجموعة أعضاء يمارس من خلاله تخصص ما أو عدة تخصصات متقاربة أو تكاملية سواء كان يقدم خدمات أو دراسات استشارية أو بحثية أو علمية أو استشرافية معززة بحلول هادفة ، وهنا لا بد ان نوضح علميا وواقعيا ان الخبرة من واقع الأعمال التي تمثلها بيوت الخبرة هي عبارة عن تراكم خبرات في مجالات عدة أكتسبها مؤسسيها من خلال سنوات عملهم في حقول قطاعات ومؤسسات الدولة أو من دراسات اكاديمية أو بحثية مثلت لهم سلسلة نجاحات وإنجازات في مساراتهم المختلفة ، حيث أنه لا يوجد وصف دقيق لمفهوم الخبرة أو معايير قياسية لها من خلال سنوات الخدمة حتى لو كانت في عدة قطاعات والسبب في ذلك بسيط لان الخبرة معرفية وابتكارية تعتمد على كفاءة الشخص وقابلية التطوير الذات والتفسير في ذلك بسيط جداً فلو أخذنا قياس خبرة موظفين يعملان في جهة ما لهما نفس المسمى الوظيفي والشهادة وعدد سنوات الخدمة فعندما تقارن بينهم نجد ان احدهم افضل من الاخر ، اذا فالخبرة تعتمد على الشخص وامكانياته .
وقد أطلق جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه – على أصحاب الخبرة في الأعمال وأصحاب المؤهلات العلمية العليا “بيوت الخبرة” التي امتزجت سيرة عملهم بالعمل الميداني عرفانا لهم ولدورهم في مسيرة بناء الوطن وان لهم بصمات واضحه في مسيرة وطننا العزيز ونستذكر خير شاهد لذلك في احد الخطابات السامية للمغفور له ” .. فنحن مطالبون أن نضيف الى تلك المعارف معارف جديدة ،أن نبحث ، نستنبط ، أن نفكر ، أن نتدبر ، وعلينا أيضاً أن نصحح معارف من سبقنا لأنه في كثير منها نظريات والنظريات تكون متجددة فلا نقول إن ما وصلوا إليه في الماضي هي المعرفة ، لا ، المعرفة ليست مطلقة ، المعرفة متجددة ، منطوق ۲۰۰۰/٥/۲م “ ودعا جلالته كذلك الى تعزيز دور هذه المجموعة لرفد مسيرة الوطن الى جانب الحكومة والقطاعات الأخرى، فكيف لا وهم من ساهموا وما زالوا يساهمون في بناء مسيرة عمان الحاضر والمتجددة منذ بزوغ فجر النهضة وقد حرص جلالته – طيب الله ثراه – للاستفادة المثلى من بيوت الخبرة التي تكون على هيئة أفراد او مؤسسات خاصة وتوفير فرص العطاء ليفيدوا ويستفيدوا ، فكيف هي الاستفادة عندما تنبثق من بيوت خبرة وطنية متمكنة؟!.
وهنا ندعوا إلى تأسيس شراكه جادة وحقيقيه مميزة تليق بأبناء الوطن بين قطاعات الدولة المختلفة وبيوت الخبرة المحلية الواعدة ، تنطلق من أهميتهم وأهمية دورهم وما قدموا ويقدمون ، وبالمقابل وضعهم على خريطة نماء الوطن وتطوره ليكونوا عنصرا فاعلا بيومنا وغدنا والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم في كافة المجالات، كما أن استقطابهم بذات الأولوية وأسناد الأعمال التخصيصية لهم سيمنحهم الثقة عوضاً عن منحها بيوت الخبرة الأجنبية – قد تحتاج هي الأخرى الى الاستعانة ببيوت خبرة وطنية – التي أصبح الكثير منها ربحياً وليس مقامها مقام بيوت الخبرة عدا التباهي بها من قبل بعض المسؤولين والجهات ، وأن كان لا بد منه فيجب أن يتم استجلابها تحت غطاء بيوت الخبرة الوطنية والاستفادة منها في الجزيئات والمعايير التي قد لا تتوفر ببيوت الخبرة الوطنية
ومما لا شك فيه أن الفرصة أصبحت متاحه ومؤاتيه ومحفزه للبدء بالأخذ بواقع بيوت الخبرة الوطنية السابقة والتي قد تتشكل من الكفاءات التي أسهمت في بناء المؤسسات والمنجزات قد وربما نتفق أنه قد آن الأوان من دعمها مؤسساتياً من جميع النواحي، عليه يسر توازن للدراسات والاستشارات من خلال هذا المقال أن أشارك ممن لديه التوجه في بناء هذا القطاع بعض الأهداف التي يمكن تتبناها ونسعى الى تحقيقها من خلال تقديم الدراسات التطويرية والاستشارية كلا في مجال اختصاصه وصولاً إلى الأهداف السامية لاستكمال بناء الوطن ، ومنها على نحو : أهمية تعزيز مبدأ الشراكة بينها وبين كافة قطاعات الدولة والمجتمع بما يخدم ويحقق التنمية المستدامة للسلطنة وتحويل المعرفة التي اكتسبتها الكفاءات على مدى الخمسين عاما في تحقيق عائد تنموي واقتصادي للسلطنة من خلال المشاركة الفعالة وتطوير العمل الاستشاري والنهوض بها محليا وعالمياً فالخبرة العمانية نجدها أنها أرتبط وجدانها على مر العصور وزادت تفاعلاً مع التطور الذى أولاه المغفور له السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه – وتمامه في رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – .
ومن الجدير بالذكر فقد أكد عدد من الخبراء والتربويين والإعلاميين والاقتصاديين في انحاء العالم أن النظرة السلبية لبيوت الخبرة المحلية وعدم الثقة في الكوادر والخبرات الوطنية وراء عدم استعانة الكثير من الشركات والمؤسسات بالقطاعين العام والخاص في أغلب الأحيان ، فضلا على أن تهميش الكوادر المحلية سيؤدي الى تغييب القدوة لدى جيل الشباب الحاضر والمستقبل وتفضيل العديد من بيوت الخبرة الأجنبية التي قد تأتي بتطبيقات ومعايير خاصة بدولها وثقافاتها تكون مختلفة عن ثقافة وطبيعة الوطن ، تأسي بالقول المأثور “هم أهل علم ومعرفة ونحن أهل علم ومعرفة”.
ومن المطلوب جلياً رصد الكفاءات الوطنية التي تمثل بيوت الخبرة المحلية لبيان آلية الاستفادة من خبراتها التراكمية لا سيما من ذوي التخصصات النادرة والترويج لها مما ينعكس بالتالي ايجاباً على أداء الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة ، لذا يتطلب منا الأمر في السنوات القادمة زيادة التفاعل والتنسيق في هذا الجانب من خلال القائمين والمختصين بمجلس البحث العلمي والجهات الاخرى ذات العلاقة للوصول على توطين وصناعة بيوت الخبرة الوطنية التي ستعتمد عليها أركان الدولة في كافة قطاعات ومجالات الحياه ، كما أن عزوف الخبرات الوطنية عن تقمص أدوار بيوت الخبرة المحلية سيؤثر بصورة مباشرة على الهوية والاستمرار مما سيؤثر سلبا ذلك على توطين هذا القطاع الذى من المعول منه أن يكون شريك فعال في بناء المعرفة المتزنة بين الماضي والحاضر والمستقبل ولله الحمد تزخر السلطنة ببيوت خبرة وطنية أثبتت جدارتها ومكانتها محليا ودوليا والتي يشاد لها بالبنان ، فبيت الخبرة الوطني هو الأقدر على نقل الهوية ومما لا شك فيه أن الدولة لديها الكثير من الكوادر المحلية المتخصصة في الكثير من المجالات الأمر الذى ينبغي منا في الوقت الراهن تعزيز ثقافة بيت الخبرة المحلي من خلال الاستعانة بها في كافة الأعمال تجنبا لإهدار المال وعدم التقليل من الكفاءات الوطنية التي مارست بحقها عدم الثقة أو الخوف منها في التستر على بعض الأخطاء والهدف الى اللجوء لبيوت من خارج السلطنة قد يكاد حاجة في نفس يعقوب ، أننا نلاحظ في مجتمعنا ولله الحمد أن البعض من الشباب التي تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين يتمتعون بالكفاءة والفكر والمعرفي قد أتخذوا قرار جرئيا في بناء وصقل مهاراتهم وخبراتهم حيث نجد البعض منهم تم تبنيهم في بعض الدول دول الجوار ولهم نجاحات مسجلة إقليميا ودوليا ، فكان حريا أن كأقل تقدير في تقديم الخبرة المعرفية أو الابتكارية من خلال إبرازهم في الندوات والمؤتمرات وورش العمل .
وأن من المعول عليه أن الكوادر المحلية الممثلة بيوت الخبرة نراها من وجهة نظرنا المتواضعة يتمحور في أمرين، الأول أن يقوم الكادر المحلي بالتسويق لنفسه ولمؤسسته كبيت من بيوت الخبرة الوطنية ، فالشخصية التي تجد نفسها مؤهلة ومخولة وصاحبة أحقية في أن يستفاد منها مجتمعيا عليها ألا تنتظر الفرصة وتبادر هي بالبحث عنها لأثبات الذات في القطاع التي تمثله ، والامر الثاني أن يقوم مجلس البحث العلمي بتأسيس قاعدة بيانات كونها جهة الاختصاص الأصلية وهذا ليس بالأمر الصعب للوصول إليها من اي مؤسسة محلية للاستفادة منها .
ومن هذا المنبر نوجه دعوه لأثبات الذات للكفاءات من خلال تأسيس بيوت الخبرة ذات طابع عمل واضح ومُمنهج واستشرافي يُسهم في بناء النهضة المتجددة ،والتي ما أحوجنا إليها الأن من أي وقت مضى لنقف صفا واحدا لخدمة الوطن بكل ما أوتينا من امكانيات وقدرات ومعرفه وخبرة ذات تنافسية عالمية تأسيا بالقول المأثور “أهل مكة ادرى بشعابها” فمعا من أجل شراكة وطنية مستدامة.