أحمد بن خلفان بن عامر البدوي *
بالنظر لمقالاتي السابقة، المنشورة في هذا الصرح المعرفي الشامخ -جريدة “الرؤية”- ومن خلال مسح مجريات بحثنا الأكاديمي -مؤشر توازن في بيئة الاستثمار وأثره على التنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة- الذى جاء من واقع استقراء المشهد الاقتصادي الميداني، ولما يدور من أحداث داخلية واكبتها العديد من المتغيرات التصحيحية، نرى أنَّ الأمرَ يستدعي تحديد سياسات تنظيمية تتسم بالمرونة في بيئة الأعمال، تحت أي موقع من مواقع الحقول الاستثمارية المشمولة بمخططات مُتعددة الاستخدامات، خاصة وأنَّه يتكيَّف ديناميكيًّا مع الانكماش أو الذروة الاقتصادية؛ من خلال العمل بمؤشر توازن الاستثماري.
وبالرجوع لما تضمنته فكرة مؤشر “توازن الاستثماري” في البيئة الاستثمارية، والذى أشرنا إليه سابقا، وفق المجريات التي استقرأناها لكم، فما المقصود بمؤشر توازن؟ مؤشر توزان الاستثماري “هو ذلك المؤشر الذى يُعنى برسم إجراءات وسياسات استثمارية متوازنة ومتوازية لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وفي كافة الحقول الاستثمارية وبمخططاتها ميدانيا ولوجستياً، وكذا القيام بعمليات رصد حاجة كل مخطط؛ وذلك من خلال مُؤشرات التراخيص الفعلية لقواعد البيانات المقيَّدة إلكترونيًّا، مع تحديد معايير ومتطلبات إجرائية واضحة؛ بهدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ورفع التنافسية بين جهات بيئات الاستثمار التنظيمية والداعمة والمحركة؛ للوصول إلى التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة”.
وبما أنَّ الكثيرَ منا يُدرك حجم المنشآت التجارية، والتي قُيدت بياناتها في قواعد حددها (قانون السجل التجاري 3 لسنة 1974)؛ فتنوعت أشكالها القانونية؛ منها على سبيل المثال: الفردية، الشخص الواحد، الاستثمار الأجنبي… وغيره، والتي أجازها (قانون الشركات 18 لسنة 2019)؛ فهذه المنشآت -وطنية كانت أو أجنبية- مثلت حراكاً اقتصاديا، إلا أنَّ استقراء الواقع الاقتصادي لهذه المنشآت الغالب منها لم يُحقق الهدف والغاية التجارية لبناء تكاملية التنمية المستدامة، كما أنَّ زيادة عدد المنشآت الذى أكترثه العديد من المستثمرين دون تحديد الهدف والغاية من السجل التجاري، تسبب في تراكم سجلات تجارية وهمية ظلت غير مفعَّلة لسنوات طويلة، والتي أحدثت فجوة تنظيمية بين الجهات بيئات الاستثمار من جهة، والجهات الداعمة والمحركة من جهة أخرى؛ وذلك نتيجة عدم وجود سياسية تكاملية تنظيمية رقابية تعمل تحت مُنظِّم إداري، من خلاله يتم رسم سياسة اقتصادية وتنموية شاملة. صحيح أنَّ هناك جهودًا حثيثة اتخذتها الجهات المعنية من واقع مسارات الخدمات الإلكترونية؛ استطاعت من خلالها معالجة وتسوية أوضاع هذه المنشآت -لا سيما الفردية منها، والتي لطالما كانت تحتدم بالالتفاف تارة، وإلحاق الضرر تارة أخرى لبعض المسارات والقرارات- منها تحقيق نسب التعمين المقررة بالجهة المعنية، واستيفاء ضريبة الدخل وفق الإجراءات التي تمَّ إقرارها حديثا من جهاز الضرائب، كما أنها بذات الجهود هي قادرة -بإذن الله تعالى- أن تُحقق قيمة اقتصادية مضافة بعد اكتمال الربط الإلكتروني بصيغة تكاملية تنظيمية رقابية، بعيدا عن التجاوزات في بعض الإجراءات التي تسود بيئة الاستثمار؛ وذلك بمحاولة إيجاد الثغرات للالتفاف على القانون لبعض الشخوص، ناهيك عن المحسوبيات بشكل أو بآخر، كل هذا من شأنه تقويض فرص الاستثمار.
واذا نظرنا إلى “نظام إدارة التغيير” عند إقراره بأي مؤسسة؛ سواء كانت ذات نفع مباشر أو غير مباشر، فإنه في الغالب يتولد عنه ظهور عدم التوافق، وأحياناً الاحتدام بين الرؤساء والمرؤوسين؛ فهذا على نطاق مؤسسة داخلية يمثلها القرار الواحد، فما بالكم بسريان النظام على مستوى أوسع يشمل جهات بيئات الاستثمار والجهات الداعمة والمحركة التي هي الأساس والمحرك لبلوغ التنمية المستدامة.. نعم، نجد أنَّ هناك الكثير من الإجراءات تمثلت في مسارات تنظيمية من واقع الخدمات الإلكترونية قد لامسناها فعلا، وأنها تسير وفق خطى ثابتة ومدروسة اتُّخذت بقرارات حاسمة وجريئة، قَلصت الكثير من الإجراءات الروتينية، وحَدت من الاجتهادات الفردية التي بُني البعض منها على قناعات دَخليه أو خلافات مثَّلت تقاطعًا بين تلك الجهات، سببها السلسلة الإجرائية المتفرقة التي لطالما عانى منها المشهد الاقتصادي؛ لذا فإنَّ مع سياسة العمل بمؤشر توازن الاستثماري الذى نتطلع من خلاله لضبط الإيقاع بين جهات بيئات الاستثمار والجهات الداعمة والمحركة؛ كون هناك أداة تَحَكُّم وتنسيق وضبط ورقابة لمسارات بيئة الأعمال، والذى ارتأيت إدراجها تحت مشروع نظام “استثمر بسهولة”؛ فمن خلال العمل بمؤشر توازن ستتمكن المنشآت الجادة من تحديد نوع وأرضية الاستثمار لتحقيق نموها الاقتصادي وديمومتها، والتي سيكون لها الأثر البالغ في تنويع الاقتصاد والتنمية المستدامة بالسلطنة.
كما أنَّ تطبيق مؤشر توازن الاستثماري في نظام “استثمر بسهولة” سيُسهم في عدة مُعالجات تتسم بالوضوح والشفافية في تكاملية بيئة الأعمال؛ وذلك بدءًا من التسجيل التجاري، ووصولا إلى تراخيص مزاولة الأنشطة الاقتصادية، ومن بين تلك المعالجات:
* السجلات التجارية غير النشطة بقواعد البيانات.
* الأنشطة الاقتصادية غير المرخصة بمخرجات السجل التجاري.
* الإشكاليات القانونية -الإلغاء أو التصفية- للسجلات غير الفعالة لفترات طويلة.
* التوافق في اللوائح التنظيمية بين جهات بيئة الاستثمار والحد من المصالح الشخصية الضارة ببيئة الاستثمار.
* توحيد القرارات التنظيمية في بيئة الأعمال بوجود مُحكم مستقل يُؤمن بتوحيد القرار الاستثماري وبناء التوافق بين الجهات المعنية ببيئة الأعمال.
* وضع تصنيف للشرائح الاستثمارية في بيئة الاستثمار الذى من شأنه سيسهم في:
– مساندة المركز الوطني للتشغيل في (منظومة الإحلال) بسوق العمل والتوظيف الذاتي.
– تحكم الجهة المعنية في رفع أو خفض الرسوم المالية للخدمات الإدارية والتراخيص متى ما ارتأت ذلك حسب مؤشرات سوق العمل لهذه الشريحة.
… إنَّ التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني تتطلب منا جميعا -مواطنين ومقيمين- أن نعمل سويًّا لخدمة هذا الوطن الغالي، واضعين نُصب أعيننا نظرة ورؤية وحكمة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عُمان نهضة متجددة.
27/7/2020